الدارونية و نظرية التطور Darwinism... ثقف نفسك

 الدارونية و نظرية التطور  Darwinism

تعريفها و خصائصها :


الدارونية هي النظرية التي و ضعها تشارلز دارون Charles Darwin و التي تنص على أن النباتات و الحيوانات نشأت نتيجة تغيرات بطيئة أحدثها الانتقاء الطبيعي Natural Selection، و تتلخص في عدة نقاط و هي، أن العضويات المتوالدة جنسيا لديها مدى واسع من التنوع، و للأشكال الحية مقدرة على الازدياد، وإن بقاء التجمعات في حدود معينة يدل على صراع البقاء، حيث تزول غير القادرة على البقاء، و هذا الصراع يؤدي إلى انتقاء طبيعي
و يستخدم لفظ الدارونية للإشارة لأكثر من معنى "فإضافة إلى أن الدارونية هي نسق أحيائي عند داروين، و فضلا عن المعنى العام، تستعمل هذه الكلمة بمعنيين خاصين، أولهما في مقابل النشوئية عامة، لتدل الدارونية على المذهب التحولي الذي يقول إن الأنواع تخرج من بعضها البعض، و الذي يرى بنحو عام أن الجنس البشري ينحدر من أنواع حيوانية، لكن من دون فرضية حول أصل الحياة، أو المعنى العام لتطورها، و أما المعنى الآخر فهو في مقابل نظرية( لامارك (Lamarck و(سبنسر (Spencer، حول التكيف بالدربة و بالوراثة

و من هنا يمكن القول أن داروين لم يكن هو أول من بحث أصل الأنواع، "فإن لامارك عالم البيولوجيا الفرنسي هو أول من قدم تفسير كامل للتطور، و قد نشر مفهومه ذلك في نفس العام الذي و لد فيه داروين، و كان لامارك أول بيولوجي يُكوّن حالة مقنعة لفكرة أن الحفريات هي بقايا حيوانات مندثرة، و ليست كما قال البعض حجارة صيغت مصادفة كتقليد لأشكال الكائنات الحية، كما قدم لا مارك تصورا بسيطا يفيد أن الكائنات في كفاحها للتكيف مع البيئة تكتسب صفات تنتقل وراثيا إلى نسلها، و أشار إلى طول عنق الزرافة كمثال على ذلك بل لم يكن اهتمام داروين بهذه النظرية مجرد صدفة، بل كان علم البيولوجيا ميراثا أسرياً "لأن جد داروين قد بحث في هذا الموضوع.( و كان غوته) الأديب الألماني مهتم بها أيضا، و كان هناك حوار بين( كوفييه) الذي يقول بثبات الأحياء، و سانت هيلير الذي يقول بتحولها " و داروين نفسه قد سلم بأن نظرية الانتقاء الطبيعي كانت قد اقترحت بواسطة آخرين قبله، إلا أن إسهام داروين كان في عرض أفكاره بفاعلية أكبر، معتمدا على البيانات العلمية التي جمعت بدقة، و التي لم تترك مجالا واسعا لمعارضيها، و يقول البيولوجي (جوليان هاكسلي): لقد أثر داروين في أكبر الثورات جميعا في فكر الإنسان، أكثر من أفكار إينشتاين و فرويد، و حتى نيوتن، عن طريق تأسيس حقيقة التطور العضوي، و اكتشاف الوسيلة في نفس الوقت


و كما لم يكن داروين هو الأول في طرح فكرة التطور، نجد أيضا أن فكرة التطور قد تشعبت و تطورت هي نفسها عند اللاحقين على داروين، من أمثال سبنسر "و الفارق بين(داروين) و (سبنسر)، هو أن سبنسر رأى في التطور إمكانية توسيع فكرة النمو في تعميمات كونية، بينما فهمها داروين على أنها تنتمي إلى علم البيولوجيا " و بالتالي تكون التحولية كما هي عند سبنسر مذهب أعم من النشوئية عند داروين، لأن التحولية تتبدى كأنها تصور فلسفي عام يغلف كل الظواهر، بينما تظل النشوئية نظرية في التشكيل البيولوجي
و قد استعمل مفهوم التطور ليدل على معان عدة، "و منها أن التطور Evolution يعتبر نمو داخلي كامن في البداية، يحين شيئا فشيئا، و ينتهي به الأمر إلى العلن كما اكتسب معان عدة في الفلسفة المعاصرة، و منها التبدل الموجه إلى غاية ثابتة على مراحل متعاقبة يمكن تحديدها مسبقا، أو الانتقال من البسيط إلى المركب أو من المتجانس إلى غير المتجانس، و إذا كان التطور هو التبدل فلا يتضمن بالضرورة الارتقاء الذي يعني الانتقال من الأدنى إلى الأعلى، لذلك في كل ارتقاء تبدل، و ليس كل تبدل ارتقاء"و ترتكز نظرية داروين على فكرتين أساسيتين هما، يُنتج الحي مثل نفسه، و لا تستخدم الطبيعة القالب الواحد مرتين، فكل ذرية من الأحياء تشبه والديها بفعل الوراثة، لكنها على الدوام تختلف عنها نتيجة للتغاير، و لهذا التغير صورتان،

 إما  منفصل، كأن تظهر صفة جديدة في الكائن لم تكن موجودة، أو يكون متصلا، بحيث تتطور صفة موجودة مسبقا كما تقوم الدارونية على ثلاث قواعد أولية و هي" التناحر على البقاء، و الانتخاب الطبيعي، و بقاء الأصلح، أما التناحر على البقاء فاصطلاح مجازي يؤدي في أوسع مدلولاته معنيين، فأما أنه يدل على العلاقة القائمة بين الأنواع الحية العائشة في بيئة ما، إذ ما اتجهت الأسباب العاملة على بقاء نوع إلى إبادة آخر، و أما أنه يدل على الجهد الذي يبذله الأحياء في سبيل الحصول على مقومات الحياة، و أما الانتخاب الطبيعي فمحصلته أنه يبقى من الأفراد أقدرها على الحياة في بيئة ما، و أن تفنى غير القادرة منها على البقاء، و أما البقاء للأصلح فهو اصطلاح يراد به إيضاح عمل الانتخاب الطبيعي، إذ أن الأحياء الأكثر صلاحية للبقاء في بيئة طبيعية تظل حية لتنتج أمثالها و يعتبر مفهوم الانتقاء الطبيعي" بمثابة القلب من نظرية داروين عن التطور، كما كان البديل المعقول و المفهوم لمفاهيم لامارك عن التطور عن طريق توريث الصفات المكتسبة.

و قد كان داروين يرى"إن تأثير الانتخاب الطبيعي بطيء جهد البطء على أن تأثيره لا يقع إلا حيثما يكون في إقليم ما نقص في نظام الكائنات الطبيعي يمكن أن يسد فراغه تهذيب ما يطرأ على صفات العضويات الآهلة بها بينما رأى غيره" أنه قوة مستعدة للعمل باستمرار و هو يفوق بلا حدود مجهودات الإنسان المتواضعة كما تفوق أعمال الطبيعة الأعمال الفنية " كذلك يُنافي الانتخاب الطبيعي القول بخلق الكائنات خلقا مستقلا خلال فترات الزمان و يتعذر وقوع التغاير الوصفي على تراكيبها الطبيعية طفرة إلا أن هذا المفهوم الذي طرحه داروين لم يحل دون إدخال إرادة الكائن في إسراع عملية التطور و لذلك فهناك من يرى أن" التطور الآن أسرع مما كان، و نحن نستنتج ذلك إذا قابلنا بين الأحياء العلياء و الأحياء الدنيا فالأحياء يسرع تطورها بنسبة ارتقائها و لذلك سيكون التطور في المستقبل أسرع و هذا مطبق على الحياة فهي تختلف عن الجماد في رغبتها الدائمة بخروج كل حي متميز عن غيره و الأحياء الدنيا أقل نصيبا في تحقيق الحياة فهي لذلك تخرج على وتيرة واحدة أما الأحياء العليا فقد تحقق فيها الكثير من أغراض الحياة من التغيير و التميز أي سرعة التطور

و نظرا لأن داروين وضع نظريته في وقت كانت فيه بعض قوانين الوراثة لم تكتشف بعد منها قوانين جورج مندلGregor Johann Mendel)" فقد ظهرت الدارونية الجديدة modern Darwinism على يد مجموعة من علماء وراثة المجتمعات الذين أنشأوا نظرية شاملة جديدة جمعت بين علوم وراثة المجتمعات و الحفريات و الأجنة و التصنيف و لقد ربط علم وراثة المجتمعات بين الانتقاء الطبيعي لداروين و مبادئ الوراثة الحديثة مبينا أن التطور هو تغيير في التكوين الجيني للمجتمعات و يحدث ذلك حين يتعرض المجتمع لضغط بيئي أو تغيرات في الوسط الفيزيائي و الحيوي و لذلك أصبحت التفاعلات بين المجتمع و الوسط هي الفكرة السائدة لنظرية التطور التكوينية الحديثة



إرسال تعليق

أحدث أقدم